جانب من غابات الأرز في لبنان (غرينبيس)
جانب من غابات الأرز في لبنان (غرينبيس)

الغابات هي أهم مواطن التنوّع البيولوجي الأكثر استثنائية على كوكبنا، ووجودها أساسيّ في مكافحة تغيّر المناخ. لكن غابات العالم باتت اليوم عرضةً للتّهديد بسبب إزالة الغابات وقطع الأشجار، فضلاً عن تأثيرات الاحتباس الحراري.

تعدّ الغابات موطناً لما لا يقل عن 80% من التنوّع البيولوجي البرّي في العالم، بما في ذلك العديد من أنواع الأشجار والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات والفطريات التي تعمل معاً في أنظمة بيئية معقّدة.

تغطي الغابات حالياً نسبة 31% من مساحة اليابسة على الأرض، موزّعة بشكلٍ غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم. تشير التقديرات إلى أن نحو نصف هذه الغابات سليم نسبياً، وأكثر من ثلثها عبارة عن غابة أولية، تكاد تخلو تماماً من علامات واضحة للنشاط الإنساني ولم تتعرّض لأي نوع من أنواع الاستغلال أو التّغيير البيئي.

كيف تساعد الغابات في الحدّ من تغيّر المناخ؟

تساعد الغابات أيضاً على استقرار المناخ العالمي، وذلك عن طريق امتصاص ما يمثّل ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري سنوياً – أي نحو 2.6 مليار طن تقريباً. 

ولأن الغابات تقوم أيضاً بتخزين الكربون، فإن إزالة الغابات مسؤولة عن إطلاق ما يقارب ربع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية في الغلاف الجوي.

لماذا يتم تدمير وإزالة الغابات؟

غالباً ما يتم قطع غابات العالم الاستوائيّة أو حرقها لخدمة الإنتاج الصناعي للأغذية وصناعة مستحضرات التجميل، التي شهدت تحوّلاً كبيراً خصوصاً في العقد الأخير. 

وفي حالة غابات الأمازون المطيرة وغيرها من غابات أميركا الجنوبية، يُشعل المزارعون الحرائق بهدف تطهير الأراضي لتربية الماشية من أجل اللحوم ومنتجات الألبان، أو لزراعة فول الصويا المستخدم في تغذية الحيوانات. والحال أن أغلب عمليات إزالة الغابات في أميركا الجنوبية تحدث عن طريق تلك الممارسات، مما يجعلها السبب الرئيسي لإزالة الغابات في العالم.

 تُعدّ مزارع زيت النخيل سبباً رئيسياً لإزالة الغابات في الغابات الاستوائية المطيرة في كل من إندونيسيا والكونغو. وفي الغابة الشمالية الكبرى (تُعرف باسم التايغا)، والتي تخزّن كميات ضخمة من الكربون تفوق ما تخزّنه جميع الغابات الاستوائية في العالم، قامت شركات قطع الأشجار باقتلاعها وقطعها من أجل منتجات مثل المناديل الورقية. 

فرق الإطفاء المغربية تتدخّل للسيطرة على حريق غابات أجّجته رياح عاتية في شمال البلاد، في تموز/يوليو 2022 (تصوير: جلال مرشدي – الأناضول)

إن حماية الغابات أمر مهم للدفاع عن حقوق الإنسان أيضاً، فالأشخاص الذين يعيشون داخل الغابات في جميع أنحاء العالم يعتمدون عليها للحصول على المأوى والغذاء والطاقة والدواء والدخل. وتعتمد الشعوب الأصلية بشكلٍ خاص على الغابات ــ وتتضمّن أراضي السكان الأصليين بعضاً من أفضل المناطق المحمية والأكثر ثراءً بالتنوّع البيولوجي في العالم.

منذ عام 1990، تشير التقديرات إلى أن 420 مليون هكتار (1038 مليون فدان تقريباً) من الغابات قد تم تدميرها حول العالم. وفي مقابل ذلك، تباطأ معدل إزالة الغابات بين عامي 2015 و2020، بمتوسط 10 ملايين هكتار سنويا، بانخفاض عن 16 مليون هكتار سنويا منذ عام 1990.

كيف تتأثر غابات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأزمة المناخ؟

في الحقيقة، يتغنّى الشرق الأوسط ببعض أكثر الغابات جمالاً، والآسِرة بمساحاتها الخضراء المورقة. لكن، بما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي تقريباً، فإننا اليوم في حاجة ماسة إلى حماية غاباتها وإعادة إحيائها للسماح لها بالتعافي، تجنّباً لمزيدٍ من العواقب الكارثية الناجمة عن أزمة المناخ.

وفقاً لبيانات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، انخفض الغطاء الحرجي في لبنان، خلال الخمسين عاماً الماضية، بنسبة 17%. يعتبر لبنان موطناً تاريخياً للعديد من الأنواع المحلية وأكبر غابة صنوبر في الشرق الأوسط، لكنه يخسر اليوم ما بين 1500 إلى 2000 هكتار سنوياً بسبب حرائق الغابات وإزالة الغابات، التي كانت حتى الأمس القريب توفّر فرصاً اقتصادية للعديد من اللبنانيين وتدعم الاستقرار البيئي في مناخ إقليمي دائم التغيّر. ولتزداد الأمور سوءاً، أدت الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلى تفاقم فقر الطاقة المنزلي في لبنان، أي صعوبة حصول الأسر على خدمات الطاقة الأساسية لتحقيق متطلبات الحياة اليومية، مما دفع بالكثيرين نحو خيار قطع الأشجار لصنع الحطب  أو لكسب الدخل.

الدمار الذي خلّفته حرائق ملولة التابعة لمدينة طبرقة في تونس وأتت على نحو 470 هكتار من الغابات (تصوير: غاية بن مبارك – ذي ناشيونال)

بعيداً عن عامل التدهور الاقتصادي الذي يخلّف تداعيات على غابات المنطقة، لا تزال البشرية تواجه أزمة مناخ عالمية تزيد من شدة وتواتر حرائق الغابات، بحيث تتوقّع التقييمات زيادة نشاط حرائق الغابات في دول شمال أفريقيا على وجهٍ خاص.

في نهاية تموز/يوليو الماضي، أعلنت الوكالة الوطنية للمياه والغابات في المغرب أن عدد الحرائق المُسجّلة منذ بداية كانون الثاني/يناير وحتى تاريخ 24 تموز/يوليو 2023، بلغ 222 حريقاً أتى على نحو 10 آلاف متر مربع، مع الإشارة إلى أن الغابات تغطي 12 بالمئة من مساحة البلاد.

المخاطر نفسها طاولت تونس، التي شهدت هذا العام اندلاع أكثر من 20 حريق في عدد من الولايات، وأشدها تدميراً أتى على مساحة 450 هكتارا من مساحات الصنوبر البحري في منطقة ملولة بولاية جندوبة التونسية. وبالتزامن مع ذلك، اندلعت حرائق متفاوتة الحجم والقوة في لبنان وفلسطين وسوريا.

إن العمل على الحدّ من إزالة الغابات وتدهورها، بينما يتمّ بموازاة ذلك العمل على استعادة الغابات المفقودة، هو فرصتنا الأمثل لمعالجة حالة الطوارئ المناخية، حفظ الحياة البرية والدفاع عن حقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية التقليدية. وهي الأسباب التي تدفعنا للاستمرار في حملاتنا لكي تتجاوز الغابات في المستقبل القريب عددها الحالي.

فلنُنهِ سوياً عصر البلاستيك

“لا تفوّتوا الفرصة التي لا تتكرّر مرّتين في جيلٍ واحد لإنهاء عصر البلاستيك. ادعموا إبرام معاهدة عالمية فعّالة لمكافحة التلوّث البلاستيكي!”

وقّع/ي على هذه العريضة