تخطي إلى المحتوى الرئيسي
قمة الغابة الواحدة

في حوض الكونغو... حماية الغابات بمواجهة "اللعبة الدبلوماسية"

بحثت النسخة السادسة من قمة "الغابة الواحدة" التي انطلقت الأربعاء في ليبرفيل عاصمة الغابون وتختتم الخميس، مصير الغابات الاستوائية بالعالم. وبمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الغابوني علي بونغو، ناقشت القمة التي شاركت فيها وفود حكومية وعلماء ومنظمات غير حكومية، الجهود المطلوبة بالأحواض الغابية في كل من الكونغو والأمازون وجنوب شرق آسيا. كما شملت المناقشات قضية شائكة تتعلق بمسألة تمويل دول الشمال لهذه المساعي.

فيل في حديقة إيفيندو الوطنية، الغابون في 26 أبريل/نيسان 2019.
فيل في حديقة إيفيندو الوطنية، الغابون في 26 أبريل/نيسان 2019. © أ ف ب
إعلان

تحتضن ستة دول مساحة غابية كثيفة تناهز 200 مليون هكتار تمثّل تنوعا بيولوجيا فريدا في العالم. في قلب هذه "الرئة الخضراء" بالعاصمة الغابونية ليبرفيل، ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبارا من الأربعاء وحتى الخميس قمة الغابة الواحدة "وان فورست One Forest Summit".

جمعت هذه القمة رؤساء دول ومنظمات غير حكومية وعلماء لبحث أفضل السبل الكفيلة بحماية هذه الغابة الاستوائية الهائلة، وأيضا حماية غابات الأمازون والغابات النظيرة لها الواقعة في جنوب شرق آسيا.

وقال المنظمون إن القمة "لا تهدف إلى إقرار إعلانات سياسية جديدة" مشددين على ضرورة تطبيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس للمناخ عام 2015 ومؤتمر الأطراف الخامس عشر في مونتريال حول التنوع البيولوجي في 2022.

وفيما تشكل الغابات أغنى موطن طبيعي للأنواع والتنوع البيولوجي، أفادت الأمم المتحدة بأن عشرة ملايين هكتار من الغابات دمرت سنويا بين 2015 و2020.

وتهدد إزالة الغابات على نطاق واسع، بدءا من الأمازون وصولا إلى غابات أفريقيا وجنوب شرق آسيا، بانخفاض معدلات تساقط الأمطار في المناطق الاستوائية، على ما أظهر بحث جديد نُشرت نتائجه الأربعاء في مجلة "نيتشر Nature"، توصل الباحثون فيه إلى أن المنطقة التي تواجه الخطر الأكبر هي حوض الكونغو، الذي يُتوقَع أن يشهد تسارعا في عملية إزالة الغابات خلال السنوات المقبلة، ما قد يؤدي إلى انخفاض تساقط الأمطار بنسبة قد تتعدى الـ10بالمئة بحلول نهاية القرن.

في هذا السياق، يوضّح آلان كارسنتي خبير اقتصاد الغابات المختص بأفريقيا الوسطى والباحث في مركز التعاون الدولي للبحوث الزراعية (Cirad) بأن "اختيار عقد هذه القمة في حوض الكونغو له مغزى حيث إن الغابة الاستوائية لوسط أفريقيا هي اليوم واحدة من بالوعات الكربون (تنظم درجة حرارة الكوكب وتساعد على تخزين الكربون) الرئيسية للكوكب".

للمزيد: المتحدثة باسم مصنع إزالة ثاني أكسيد الكربون في إيسلندا: "مشروعنا قابل للتطبيق في كل دول العالم"

يضيف الباحث: "بسبب إزالة الأشجار على نطاق واسع فيها، باتت غابات جنوب شرق آسيا حاليا تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تمتصه. في الأمازون، تظهر الدراسات أننا نقترب من نقطة التحول. أصبحت أفريقيا الوسطى المكان الوحيد الذي تمتص فيه الغابات المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تصدره". لوحدها، تمثل مساحة هذه الغابات التي تمتد على الغابون والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا الإستوائية والكاميرون، خزانا لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون يعادل عشر سنوات من الانبعاثات العالمية.

وعلى النقيض من منطقة الأمازون، حيث تمّت إزالة الآلاف من الأشجار لإقامة حقول فول الصويا الضخمة والمراعي، أو في إندونيسيا، التي تعد بمثابة جنة زيت النخيل وقطع الأشجار، فقد ظلّت غابات أفريقيا الوسطى بمنأى عن ذلك منذ فترة طويلة. لكن خبير اقتصاد الغابات يردف: "انطلقت إزالة الغابات في سنوات 2010، مدفوعة بزيادة الضغط الديمغرافي الآخذ في التنامي" وهو يوضّح أيضا: "إنها مرتبطة قبل أي شيء بزراعة القطع والحرق (حرق أجزاء من الغابة وتطهيرها لزراعتها وتحويلها إلى قطعة أرض جديدة)، والتي يعتمد عليها العديد من المزارعين، وترتبط أيضا باستخدام الفحم النباتي".

يطلق على هذه الظاهرة أحيانا "إزالة الغابات بسبب الفقر"، مع وجود فوارق قوية بين البلدان: واليوم، باتت جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، الدولة التي تشهد أعلى معدل إزالة للغابات بالعالم بعد البرازيل. في المقابل، يمكن للغابون، التي يبلغ عدد سكانها 2.2 مليون نسمة، أن تفخر بكونها لا تشهد تقريبا أي إزالة للغابات.

  • الغابون.. تلميذ نموذجي على المستوى الإقليمي

تعهدت كافة بلدان وسط أفريقيا بحماية غاباتها منذ قمة المناخ كوب 21 وكذا في ضوء اتفاقيات باريس، الهادفة لاحتواء الاحتباس الحراري عند ما دون العلامة المصيرية المقدّرة بـ 1.5 درجة مئوية.

يرى آلان كارسنتي بأن"الغابون هي من برزت بشكل تدريجي بمثابة التلميذ النموذجي في المنطقة". فلعقود من الزمن، اعتمدت "جنات عدن أفريقيا" هذه والتي تشكّل الغابات 85 بالمئة من أراضيها، على النفط الموجود في باطن أرضها لدفع عجلة اقتصادها. لكن ومنذ 2010، أطلق لي وايت وزير البيئة الذي ينحدر من أصل بريطاني لكنه حصل على الجنسية الغابونية، مرحلة انتقالية نحو أنشطة جديدة، من خلال استغلال الأخشاب وزراعة نخيل الزيت. وكان الهدف المعلن من هذه الخطة إيجاد توازن بين الاحتياجات الاقتصادية لبلاده وبين احتياجات الكوكب الذي يواجه حالة طوارئ مناخية.

لإنجاح تلك المساعي، عرض وايت على شركات الأثاث الأجنبية ومصنعي الخشب الرقائقي مزايا ضريبية شريطة إقامة مصانعهم في البلاد مع حظر تصدير جذوع الأشجار والخشب الخام. بالموازاة مع ذلك، تم فرض قواعد لتنظيم أنشطة قطع الأشجار. ومن ثمة فقد بات من غير الممكن للمنتجين قطع أكثر من شجرتين في الهكتار الواحد خلال كل 25 عاما. كما تم وضع حيز التنفيذ برنامج لتتبع كافة جذوع الأشجار باستخدام الرموز الشريطية (codes-barres) لمكافحة القطع غير القانوني للأشجار. يلخّص آلان كارسنتي هذه الاستراتيجية بقوله إنها سمحت "بخلق مناصب الشغل، وإنعاش الاقتصاد مع الحد في آن من قطع الأشجار".

كما قامت سلطات الغابون في نفس الوقت بافتتاح ما لا يقل عن 13 متنزها وطنيا تغطي مساحة 11 بالمئة من أراضيها، وأنشأت مركزا لمراقبة قطع الغابات بواسطة الأقمار الاصطناعية.

بعد مضي اثني عشر عاما، يبدو أن هذه الوصفة السحرية قد نجحت في الإطار البيئي. حيث إن مساحة الغابات في تزايد مقابل تقلص طفيف لظاهرة القطع غير القانوني للأشجار. هناك أيضا مؤشر آخر لنجاح هذه الخطة، هو التزايد الكبير في أعداد فيلة الغابات والتي تعتبر من الأنواع المهددة بسبب تغير المناخ، فمن 60 ألف فيل عام 1990 بات عددها يبلغ 95 ألف في 2021.

كما حققت الخطة نجاحا اقتصاديا أيضا، حيث أصبحت الغابون واحدة من أكبر منتجي الخشب الرقائقي في أفريقيا، وأيضا من أكبر منتجي هذا النوع من الخشب بالعالم. وفي المجموع، باتت صناعة الأخشاب توفر اليوم حوالي 30 ألف وظيفة أي ما يعادل نسبة 7 بالمئة من القوة العاملة للبلاد وفقا للسلطات الغابونية نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز.

  • منافسة إقليمية

يقول آلان كارسنتي إن الغابون أصبحت الآن "بفضل هذه السياسة رائدة إقليمية في المجال البيئي". وهو يوضّح: "حتى إن عدة دول في حوض الكونغو أعلنت أنها ترغب في استلهام هذه الخطة. فمثلا، تريد جمهورية الكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل حظر تصدير جذوع الأشجار وإقامة مناطق حرة لجذب المستثمرين".

يضيف كارسنتي: "وعلى المستوى الدولي، فقد باتت هذه الدولة تجسّد التلميذ النموذجي للمنطقة". يتابع نفس المتحدث: "علاوة على ذلك، فإن قرار إيمانويل ماكرون تنظيم قمة الغابة الواحدة في هذا البلد تحديدا هو ليس بالصدفة بكل تأكيد".

لكن هذا الاختيار أثار استياء جارتها جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تسعى بدورها إلى الظهور على الساحة الدولية كدولة رئيسية في مكافحة تغير المناخ. ففي قمة المناخ كوب 26 في غلاسكو (بريطانيا في 2021) نصبّت الكونغو الديمقراطية نفسها كـ"دولة الحل" لأزمة المناخ متعهدة بحماية غاباتها في مقابل حصولها على دعم مالي دولي بقيمة 500 مليون دولار. بعد بضعة أشهر، استضافت المؤتمر التمهيدي لمؤتمر الأطراف تحضيرا لقمة المناخ كوب 27 والتي احتضنتها شرم الشيخ بمصر. شكّل هذا المؤتمر فرصة ملموسة لإظهار جهودها في مكافحة إزالة الغابات. كما استقبلت علماء في محمية يانغامبي للمحيط الحيوي الواقعة على ضفاف نهر الكونغو، والتي تم فيها تنصيب "برج تدفق" منذ نهاية 2020، يسمح بقياس كمية الكربون التي تمتصها الغابة أو تنبعث منها، الأول من نوعه بالمنطقة.

يوضّح آلان كارسنتي في هذا السياق: "كما وضعت جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ 2010 حيز التنفيذ، عدة إجراءات لمحاولة الحفاظ على الغابة، خصوصا من خلال سياسات توطين الفلاحين". لكن في هذا البلد الذي يتسم بالاضطرابات السياسية وفضائح الفساد، لم يكن لهذه الإجراءات حتى الآن سوى تأثير محدود.

  • تمويلات دول الشمال وراء هذا التنافس

يأسف آلان كارسنتي خبير اقتصاد الغابات المختص في أفريقيا الوسطى: "من ثمة، دخلت (الكونغو الديمقراطية) في تنافس إقليمي حقيقي لتظهر على الساحة الدولية كرائدة في حماية الغابة". السبب الأساسي وراء السباق على الزعامة هو البحث عن التمويل من دول الشمال". خصوصا وأن الدولتين (الكونغو الديمقراطية والغابون) متفقتان على نقطة محورية هي أن على الدول الصناعية، التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن تغير المناخ، أن تساعد وتدعم بلدان الحوض بشكل كبير في تنفيذ انتقالها البيئي.

يضيف الباحث في مركز التعاون الدولي للبحوث الزراعية: "بفضل دبلوماسية المناخ، تريد الغابون من جهتها أن تجعل دول الشمال تدفع ثمن جهودها في مكافحة إزالة الغابات".

وفي الواقع، فقد وافقت النرويج، وهي التي تتحرك منذ عدة سنوات كراعية للغابات الاستوائية، عام 2019 على دفع 150 مليون دولار (26 مليون يورو) للغابون على مدى عشر سنوات مكافأة لها على سياستها البيئة. حتى ذلك الحين، ساعدت النرويج فقط دولا في حوض الأمازون وإندونيسيا. لاحقا وعقب ثمانية عشر شهرا، تلقت الغابون دفعة أولى بقيمة 17 مليون دولار (14.3 مليون يورو)، مبلغ تم دفعه مقابل إزالتها أطنانا من الكربون بفضل الإجراءات التي تم تنفيذها لمكافحة إزالة الغابات.

في المقابل، تعرضت جمهورية الكونغو الديمقراطية لانتقادات حادة عندما أعلن الرئيس فيليكس تشيسكيدي في يوليو/تموز 2022، عن رغبته في إطلاق مناقصة لحقوق استغلال حقول النفط، يقع بعضها في قلب الغابة الاستوائية، وضمن "أكبر منطقة من الأراضي الخثية الاستوائية بالعالم". تضمن هذه الأراضي إنتاج مليون برميل من النفط يوميا ما يعادل إيرادات سنوية تزيد عن 30 مليار دولار، وفق صحيفة نيويورك تايمز، لكن أيضا هي قد تعرض للخطر بالوعة الكربون الثمينة ومن ثمة المخاطرة بإطلاق كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو.

في محاولة لابتزاز دول الشمال، حظرت كينشاسا المنظمات البيئية غير الحكومية، في وقت كانت 500 مليار دولار الموعودة في قمة المناخ كوب 26 قد تأخرت في الوصول.

يوضح آلان كارسنتي في هذا الصدد: "على الساحة الدولية، حرصت جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عدة سنوات على المطالبة خصوصا بأن يتم دفع أجر عن الخدمات التي تقدمها الغابة بشكل تلقائي، وفق منطق الدخل". يضيف نفس الخبير: "الحجة هي القول إنه بفضل الحفاظ على الغابة، تحرم الدولة نفسها من المداخيل، لا سيما تلك الخاصة بباطن أرضها، وأن هذا هو شيء يجب أن يتم التعويض عنه".

ورغم أن المناقشات على طاولة المفاوضات في قمة "الغابة الواحدة" هي كثيرة، "سيكون من الضروري تجاوز هذه المسائل والذهاب إلى ما هو أبعد من التنافس لوضع جدول أعمال مشترك لدول الحوض، لتحقيق تعاون إقليمي حقيقي والحفاظ على هذه الغابة الاستوائية".

أمين زرواطي/ سيرييل كابو

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

مشاركة :
الصفحة غير متوفرة

المحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.